نقلاً عن صحيفة الشرق الأوسط
هو صانع الأحلام وصاحب أهداف ورؤية مستقبلية، برع في إيصالها إلى الغير، من خلال موهبته وتصميمه على النجاح. فالشيف السعودي ياسر جاد استطاع خرق المحظور في بلاده، عندما قرر أن يعمل في مهنة لطالما ارتبط مصيرها بالجنس اللطيف. «كنت صغيرا عندما جذبني فنّ الطبخ، فرحت أراقب والدتي وهي تعمل في المطبخ وأحاول تقليدها. ومع الوقت كبر حلمي معي واستطعت أن أبرز موهبتي في هذا المجال عندما صرت أتلقى الثناء على أطباق أعددتها». هكذا يصف الشيف جاد بداياته مع هذه المهنة التي رفض ألا يحولها إلى مهنة حقيقية فلا تعود مجرّد وظيفة يعتاش منها أبناء جيله.
في معرض «هوريكا» للغذاء والضيافة الذي أقيم في بيروت، التقينا الشيف السعودي الذي كان مدعوا للمشاركة فيه بصفته عضو لجنة حكم للمسابقات الدائرة في فلكه. كيف لا وهو مؤسس جمعية الطهاة السعوديين المسجلة في الاتحاد العالمي للطهاة وصار رئيسها في عام 2009؟ «لقد واجهت تحدّيات كثيرة في عملي وجاهدت للوصول إلى ما أنا عليه، خصوصا أنني تلقيت دروسي في فرنسا فتخصصت فيها على ثلاثة مستويات». يروي لنا الشيف ياسر جاد الذي تغلب أحيانا لكنته الإنجليزية على حديثه بالعربية. ومن الإنجازات التي حققها في مشواره المهني ه تحويل أحلامه إلى حقيقة. أصانع أحلام هو؟ يرد: «أحلامي كثيرة ولكن أهمها أن أفتتح أكاديمية خاصة بتعليم الطهي في بلدي، فتكون الأولى من نوعها، التي تولّد فرص عمل حقيقية للشباب السعودي وبمواصفات عالمية».
وعن خبرته في مجال الطهي، ولا سيما في مطابخ طائرات رحلات السفر الخاصة بالشخصيات، إذ شغل منصب مدير الأغذية والمشروبات في الخطوط السعودية فكان يشرف على إنتاج أكثر من 90 ألف وجبة يوميا، فيقول: «هي خبرة أعتزّ بها وزوّدتني بمعرفة كبيرة استطعت من خلالها أن أخرج ما في أعماق موهبتي إلى العلن». ويشرح الشيف الذي تجعله الكاميرا في إطلالاته التلفزيونية يبدو رجلا قاسيا ورصينا، فيما هو في الواقع خفيف الظلّ وسريع البديهة فيقول: «إن نظام الغذاء في رحلات السفر يرتكز على نقطتين أساسيتين، وأولاهما أن الطعام يفقد 30 في المائة من ملوحته وحموضته بفعل وجودنا في الفضاء، الأمر الذي يدعونا إلى أن نزيد الملح في الأطباق أو إلى وضع أكياس صغيرة من الملح إلى جانب الطبق لتفادي ذلك. أما الأمر الثاني فهو يتعلّق بحجم معدتنا، فهي تنتفخ بصورة تلقائية بتأثير الضغط الجوي الأمر الذي يجبرنا على تقديم كميات صغيرة من الطعام لا تزيد على 250 غراما، وذلك يصبّ في خانة السلامة الصحية للمسافر». وعن نوعية الطعام التي تحب أهم الشخصيات السعودية تناولها يردّ مبتسما: «قد تفاجأون إذا عرفتم أن هذا النوع من الشخصيات المهمة في مجملها، تفضّل الطعام الصحي والبسيط المرفق مع الخضار». ويتابع: «أهم ما في هذا الموضوع هو أن تعرفي شخصية الشخص الذي تحضرين له الطعام، فلا تفاجئيه بطبق لا يريده مما يشكّل له امتعاضا ما، وبعض هؤلاء يحب مثلا الأرز المطهو بسلاسة وليس على طريقة الـ(al dente) (غير ناضج تماما). كما أن هناك أحد الرجال المهمين الذين طهيت لهم وكان يحب طبق الـ(سليقة) المعروف لدينا في المملكة، وهو شبيه إلى حدّ ما بطبق الريزوتو الإيطالي الذي يحضّر مع اللحم الأحمر أو الدجاج، إلا أن هذا الشخص بالتحديد كان يحب أن يتناوله بالسمك الأبيض، فكانت بمثابة أكلته المفضّلة التي يغيب عنها البطل الذي نعرفه عادة فيها، ولم أحاول يوما أن أقنعه بتذوّق الـ(سليقة) المعروف في بلادنا».
وحسب الشيف ياسر فإن الطائرات عادة ما يتم حفظ كميات إضافية من الطعام فيها، يمكن أن تستخدم في الحالات الطارئة.
ويرى الشيف السعودي أن مهنة الطاهي في المملكة العربية السعودية تواجه صعوبات عدة، وفي مقدمها وجود جنسيات كثيرة تطهو الأطباق السعودية مما يفقدها نكهتها الأصلية، أي من بريقها حسب قوله، ويعلّل بالقول: «هذا الأمر ولّد هذا التمازج في الطعم الذي دخل مطبخ المملكة بصورة غير مباشرة، ولذلك نجد أن 80 في المائة منه لا يتناسب مع أصوله الحقيقية». هذا الأمر هو كان بمثابة الدافع الأول للشيف ياسر جاد إلى أن يشجّع الطهاة السعوديين من خلال إقامة مسابقات من تنظيم جمعية الطهاة السعوديين التي يرأسها. وقد شهدت مشاركة ملحوظة من قبل النساء والرجال معا الأمر الذي حفّزهم لدخول هذه المهنة.
وعن رأيه بغزو برامج الطبخ محطات التلفزة التي وضعت متابعيها في موقف التخمة أحيانا والضياع أحيانا أخرى قال: «بكل صراحة أقول إن هناك شريحة من الطهاة الذين ينجحون في تقديم هذا النوع من البرامج، إلا أنهم لا يندرجون على لائحة أرباب المهنة في الواقع. وهذا الأمر أستطيع أن أسمّيه الاستعراض الوهمي، فإننا عندما نتابع أحدهم يتمتع بالحضور المطلوب ويستطيع تقديم عرض جذاب، ولكن دون نتيجة حسية ملموسة من قبل المشاهد، فهو بالتأكيد لا يتمتع بالتقنية المطلوبة».
وعما إذا كان هو مع موضة المزج بين النكهات والأطباق، فيقول: «أنا مع هذا الانفتاح على المطابخ الأخرى، فهي تغنينا وتفتح لنا مجالات كبيرة لابتكارات كثيرة ولكن دون شك مع عدم غياب المطابخ الأصلية؛ لأننا نشتاق إليها بين وقت وآخر».
وعن رأيه في ربات المنازل العربيات قال: «أضحك عندما أسمع أحد الأولاد ينتقد والدته علنا ويقول: ماما ما بتعرف تطبخ.. فبرأيي أنه على المرأة العربية أن تعرف كيفية تحضير بعض الأطباق وإجادتها. والنساء على فكرة هنّ جيدات في الطهي، لا، بل أفضل من الرجال أحيانا». إذن فلماذا الرجال فقط هم من يحصدون الشهرة؟ أسأل الشيف فيجاوب: «لأنهم بمثابة ماكينة لديهم نسبة تحمّل كبيرة لا تستطيع النساء تجاوزها».
والمعروف عن الشيف ياسر جاد دقّته في عمله، فهو إضافة إلى كونه متطلّبا يبحث دائما عن الأفضل ولديه تقاليده في ممارسة مهنته، ويقول: «آه طبعا لدي تقاليدي ومنها مثلا السكاكين التي أستعملها؛ إذ لا يجب أن يمسّها أحد غيري أنا. فاعتيادي سكينا معينا يولّد بيني وبينها نوعا من الألفة، بحيث أستطيع استخدامها وعيناي مغلقتان. كذلك الأمر بالنسبة للحلّة التي أستعملها، فأنا أحملها معي في برامجي التلفزيونية مثلا لأن الحلّة تكون بمثابة ملعبي فإذا كانت لا توافقني لا أرتاح لاستعمالها». أما العنصر الثالث الذي يعدّه الشيف ياسر جاد من عناصر نجاحه في تحضير أي طبق فهو أنواع البهارات ويقول: «عندما أسافر إلى سريلانكا مثلا أول ما أقوم به هو توجهي إلى أسواق البهارات، فلديهم مجموعة منوعة منها قد لا تجدين نكهتها في أي بلد آخر. فعلى الرغم من أننا في السعودية لا نستخدم البهارات كثيرا بل نميل أكثر إلى المعطّرات، فإنني متعلّق بالأولى وتشكّل بالنسبة لي أساس الطبق الذي أعده».